لعل طبيعة عمل الطبيب، وما فيها من مباشرة لجسم المريض عامة، ومواضع العورة في بعض الحالات خاصة، تقتضي أن يطلع على أشياء يختص بها المريض، ولا يحب أن يطلع عليها أحد غيره.
ولولا قسوة المرض، وشدة وطأته على المريض، ومعاناته آلامه، لما باح بشيء من هذه الأسرار للطبيب، فإن كثيرًا من المرضى يعرض لهم علل يكتمونها عن آبائهم وأهليهم، ويذكرونها للطبيب، مثل أمراض الرحم والبواسير.
ثم إن هذه الأسرار التي يطلع عليها الطبيب ويكتشفها في المريض قد تكون مما يتعلق بذات المرض، كالأمراض الخاصة بمدمني المخدرات ومدمني شرب الخمر، أو يكتشفها الطبيب من خلال فحصه جسم المريض، كبعض الأمراض الجنسية، وقد تكون مما لا يتعلق بالمرض، ولكن يكتشفها الطبيب في أثناء حديثه مع المريض، كالأسرار العائلية، أو يطلع عليها في أثناء فحصه له، كبعض العيوب الخلقية التي بجسمه.
فما المسؤولية التي تترتب على الطبيب في هذه الحالة؟
هل يجوز له وقد تصدى لمواساة المريض، وتخفيف معاناته شدة المرض، أن يبوح بشيء من ذلك؟
إن ما يطلع عليه الطبيب من أسرار المريض نوعان:
الأول: هو العورات والسوآت التي لا يحب المريض أن يطلع عليها أحد غيره ولو الضرورة لما سمح للطبيب أن يطلع عليها.
الثاني: المعاصي والذنوب والآثام التي يقترفها المريض، ولا يطلع عليها أحد غيره، ثم يظهرها للطبيب في أثناء كشفه عليه أو حديثه معه.
وفي كل نوع من هذين النوعين فإن للكشف عن السر حالتين:
الأولى: أن يكون السر مما لا تدعو الضرورة إلى كشفه، ولا إلى النظر إليه أو الإخبار عنه.
الثانية: أن يكون السر مما تدعو الضرورة إلى كشفه، أو إلى النظر إليه والإخبار عنه.
وبيان هاتين الحالتين يتضح فيما يلي:
ما لا تدعو الضرورة لكشفه من العورات
قد يكون ما يطلع عليه الطبيب من المريض عورة، لا يحب المريض أن يراها أحد، ويكتمها عن أبويه وأهله، ويذكرها للطبيب رجاء تمكينه من معرفة الداء وعلاجه. فينبغي على الطبيب حفظ الأمانة التي استودعه إياها مريضه. وقد قال الله تبارك وتعالى في وصف عباده المؤمنين: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون}.
فهذه الآية الكريمة قد وصفت المؤمنين بحفظ الأمانة ورعايتها، وأسرار المرضى وأحوالهم أمانة في أعناق الأطباء، فلا يحل لهم إفشاؤها. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: «وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك، وغاية ذلك: حفظه والقيام به».
وفي المدخل لابن الحاج رحمه الله تعالى: «وينبغي أن يكون أمينًا على أسرار المرضى فلا يطلع أحدًا على ما ذكره المريض، إذ إنه لم يأذن له في إطلاع غيره على ذلك، ولو أذن فلا ينبغي أن يفعل ذلك معه». ذلك أن النظر إلى عورة المريض وإفشاء سره يعتبر صورة من صور العدوان الذي نهانا عنه ربنا تبارك وتعالى في قوله: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. ثم إن إفشاء السر، إذا كان فيه إضرار بالمريض، فلا شك في حرمته.
أما حين ينتفي الضرر عنه، فإنه وإن لم يحرم فهو مكروه، وقد اعتبره الإمام الغزالي رضي الله عنه لؤمًا.
فتحصل أن الطبيب يعتبر مسؤولاً عن أسرار هؤلاء المرضى، وأن إفشاءه شيئًا منها يعرضه للمسؤولية بلا شك.
ما لا تدعو الضرورة لكشفه من المعاصي
إن من المعاصي والآثام ما لم تندب الشريعة الإسلامية إلى كشفه، ولا هتك سر صاحبه، وذلك كأن يرتكب الإنسان معصية مرة أو مرات متعددة، ويكون في إقدامه على فعل المعصية متسترًا عن أعين الناس، متخوفًا من أن يطلع عليه أحد، ومتندمًا على ما وقع منه من مخالفة لأمر الله تعالى، فإذا اطلع الطبيب من مريضه على شيء من ذلك وكان مطمئنًا إلى توبته أو متوقعًا منه ذلك، فإن الأولى والأفضل أن يسبل عليه ثوب الستر، فلعل الستر عليه يكون دافعًا له لنسيان معصيته وعدم الأوبة إليها.
وفي ذلك يقول الإمام النووي رضي الله عنه: «وأما الستر المندوب إليه هنا، فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد».
ذلك أن من لم يعرف بالأذى والفساد، ولم يشتهر به، ولم يخش من الستر عليه حصول مفسدة، فليس هناك ما يدعو لهتك ستره وإفشاء سره.
ويقول الحافظ أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: «من اطلع على رجل في فعل يوجب الحد، استحب له أن يستر عليه، ولا يفضحه، إبقاء على الفاعل وعلى القائل. أما الفاعل فلعله إذا وعظ لم يزد، ولا تشيع عليه الفاحشة. وأما القائل فعلى نفسه أبقى، لأنه إن ذكر ذلك توجه عليه الحد، إن كان قذفًا، والأدب إن كان من سائر المعاصي».
ما تدعو الضرورة لكشفه من العورات
أباحت الشريعة الإسلامية الكشف عن ما تدعو إليه الضرورة من العورات والسوآت.
وإذا جاز للطبيب أن يكشف عن عورة المريض لعذر المداواة والمعالجة، وهي مصلحة خاصة بالمريض، فإن جواز كشف العورة لما هو أهم من ذلك كالمصالح العامة، يعتبر آكد وأولى. وفي ذلك يقول الإمام النووي رضي الله عنه: «وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة، وهذا مجمع عليه».
فاعتبر رحمه الله تعالى الحاجة سببًا في وجوب الكشف عن حال الشهود والأمناء وغيرهم.
فلو علم الطبيب أن طيارًا مصابًا بنوع من الصرع وأن هذا لا يسمح له بقيادة الطائرة وتعريض حياة الناس للخطر فيجب عليه الإبلاغ عنه وعدم الستر عليه. كما يعتبر مسؤولاً عن كل ما يترتب على عدم إبلاغه المسؤولين عنه من أضرار.
واعتبر رحمه الله أن هذا ليس من باب الغيبة المحرمة وإنما هو من النصيحة الواجبة للمسلمين، فالنصح للمسلمين يكون بعدم تعريضهم للمفاسد والأخطار.
وبين أن هذا الحكم محل إجماع بين المسلمين، لما فيه من جلب لمصلحة السلامة للجماعة ودفع لمفسدة الهلاك عنهم.
وكل هذا ينبغي أن يكون في الحدود المطلوبة، فلا يكشف عن الستر إلا بقدر.
ولولا قسوة المرض، وشدة وطأته على المريض، ومعاناته آلامه، لما باح بشيء من هذه الأسرار للطبيب، فإن كثيرًا من المرضى يعرض لهم علل يكتمونها عن آبائهم وأهليهم، ويذكرونها للطبيب، مثل أمراض الرحم والبواسير.
ثم إن هذه الأسرار التي يطلع عليها الطبيب ويكتشفها في المريض قد تكون مما يتعلق بذات المرض، كالأمراض الخاصة بمدمني المخدرات ومدمني شرب الخمر، أو يكتشفها الطبيب من خلال فحصه جسم المريض، كبعض الأمراض الجنسية، وقد تكون مما لا يتعلق بالمرض، ولكن يكتشفها الطبيب في أثناء حديثه مع المريض، كالأسرار العائلية، أو يطلع عليها في أثناء فحصه له، كبعض العيوب الخلقية التي بجسمه.
فما المسؤولية التي تترتب على الطبيب في هذه الحالة؟
هل يجوز له وقد تصدى لمواساة المريض، وتخفيف معاناته شدة المرض، أن يبوح بشيء من ذلك؟
إن ما يطلع عليه الطبيب من أسرار المريض نوعان:
الأول: هو العورات والسوآت التي لا يحب المريض أن يطلع عليها أحد غيره ولو الضرورة لما سمح للطبيب أن يطلع عليها.
الثاني: المعاصي والذنوب والآثام التي يقترفها المريض، ولا يطلع عليها أحد غيره، ثم يظهرها للطبيب في أثناء كشفه عليه أو حديثه معه.
وفي كل نوع من هذين النوعين فإن للكشف عن السر حالتين:
الأولى: أن يكون السر مما لا تدعو الضرورة إلى كشفه، ولا إلى النظر إليه أو الإخبار عنه.
الثانية: أن يكون السر مما تدعو الضرورة إلى كشفه، أو إلى النظر إليه والإخبار عنه.
وبيان هاتين الحالتين يتضح فيما يلي:
ما لا تدعو الضرورة لكشفه من العورات
قد يكون ما يطلع عليه الطبيب من المريض عورة، لا يحب المريض أن يراها أحد، ويكتمها عن أبويه وأهله، ويذكرها للطبيب رجاء تمكينه من معرفة الداء وعلاجه. فينبغي على الطبيب حفظ الأمانة التي استودعه إياها مريضه. وقد قال الله تبارك وتعالى في وصف عباده المؤمنين: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون}.
فهذه الآية الكريمة قد وصفت المؤمنين بحفظ الأمانة ورعايتها، وأسرار المرضى وأحوالهم أمانة في أعناق الأطباء، فلا يحل لهم إفشاؤها. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: «وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك، وغاية ذلك: حفظه والقيام به».
وفي المدخل لابن الحاج رحمه الله تعالى: «وينبغي أن يكون أمينًا على أسرار المرضى فلا يطلع أحدًا على ما ذكره المريض، إذ إنه لم يأذن له في إطلاع غيره على ذلك، ولو أذن فلا ينبغي أن يفعل ذلك معه». ذلك أن النظر إلى عورة المريض وإفشاء سره يعتبر صورة من صور العدوان الذي نهانا عنه ربنا تبارك وتعالى في قوله: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. ثم إن إفشاء السر، إذا كان فيه إضرار بالمريض، فلا شك في حرمته.
أما حين ينتفي الضرر عنه، فإنه وإن لم يحرم فهو مكروه، وقد اعتبره الإمام الغزالي رضي الله عنه لؤمًا.
فتحصل أن الطبيب يعتبر مسؤولاً عن أسرار هؤلاء المرضى، وأن إفشاءه شيئًا منها يعرضه للمسؤولية بلا شك.
ما لا تدعو الضرورة لكشفه من المعاصي
إن من المعاصي والآثام ما لم تندب الشريعة الإسلامية إلى كشفه، ولا هتك سر صاحبه، وذلك كأن يرتكب الإنسان معصية مرة أو مرات متعددة، ويكون في إقدامه على فعل المعصية متسترًا عن أعين الناس، متخوفًا من أن يطلع عليه أحد، ومتندمًا على ما وقع منه من مخالفة لأمر الله تعالى، فإذا اطلع الطبيب من مريضه على شيء من ذلك وكان مطمئنًا إلى توبته أو متوقعًا منه ذلك، فإن الأولى والأفضل أن يسبل عليه ثوب الستر، فلعل الستر عليه يكون دافعًا له لنسيان معصيته وعدم الأوبة إليها.
وفي ذلك يقول الإمام النووي رضي الله عنه: «وأما الستر المندوب إليه هنا، فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد».
ذلك أن من لم يعرف بالأذى والفساد، ولم يشتهر به، ولم يخش من الستر عليه حصول مفسدة، فليس هناك ما يدعو لهتك ستره وإفشاء سره.
ويقول الحافظ أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: «من اطلع على رجل في فعل يوجب الحد، استحب له أن يستر عليه، ولا يفضحه، إبقاء على الفاعل وعلى القائل. أما الفاعل فلعله إذا وعظ لم يزد، ولا تشيع عليه الفاحشة. وأما القائل فعلى نفسه أبقى، لأنه إن ذكر ذلك توجه عليه الحد، إن كان قذفًا، والأدب إن كان من سائر المعاصي».
ما تدعو الضرورة لكشفه من العورات
أباحت الشريعة الإسلامية الكشف عن ما تدعو إليه الضرورة من العورات والسوآت.
وإذا جاز للطبيب أن يكشف عن عورة المريض لعذر المداواة والمعالجة، وهي مصلحة خاصة بالمريض، فإن جواز كشف العورة لما هو أهم من ذلك كالمصالح العامة، يعتبر آكد وأولى. وفي ذلك يقول الإمام النووي رضي الله عنه: «وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة، وهذا مجمع عليه».
فاعتبر رحمه الله تعالى الحاجة سببًا في وجوب الكشف عن حال الشهود والأمناء وغيرهم.
فلو علم الطبيب أن طيارًا مصابًا بنوع من الصرع وأن هذا لا يسمح له بقيادة الطائرة وتعريض حياة الناس للخطر فيجب عليه الإبلاغ عنه وعدم الستر عليه. كما يعتبر مسؤولاً عن كل ما يترتب على عدم إبلاغه المسؤولين عنه من أضرار.
واعتبر رحمه الله أن هذا ليس من باب الغيبة المحرمة وإنما هو من النصيحة الواجبة للمسلمين، فالنصح للمسلمين يكون بعدم تعريضهم للمفاسد والأخطار.
وبين أن هذا الحكم محل إجماع بين المسلمين، لما فيه من جلب لمصلحة السلامة للجماعة ودفع لمفسدة الهلاك عنهم.
وكل هذا ينبغي أن يكون في الحدود المطلوبة، فلا يكشف عن الستر إلا بقدر.